دع قلبي يطير
بعد نشر مقالتي الأولى والتعليقات الرائعة التي تلقيتها من القراء، شعرت بإحساس كبير بالحرية! كان قلبي يرقص فرحًا، وروحي كانت تحلق في السماء، متخيلة إلى أي مدى يمكنني الذهاب وما الأماكن التي يمكنني الوصول إليها. و كم عدد الأرواح التي يمكنني لمسها، وكم عدد العقول التي يمكنني التأثير فيها، بقدر ما أنا صادقة وأكتب من القلب.
تذكرت في تلك اللحظة النورس جوناثان ليفنجستون. كان جوناثان طائر النورس الذي كان لديه شعلة من الحماس من أجل الطيران والتمتع واكتشاف الذات. أراد إتقان مهارات جديدة للطيران، مما سيقوده إلى الاشياء الخفية ويساعده على فهم العالم من حوله بشكل أفضل. تم ذكره ليس فقط لأنه أراد التعلم، ولكن أيضًا لأنه أراد تعلم شيء خاص ومختلف، ومن خلال القيام بذلك لفت إنتباه جميع الناس من حوله بمسؤوليتهم عن التعلم والعبور خارج منطقة راحتهم. و بما ان هذا الخيار ليس سهلاً وسيتطلب الكثير من العمل منهم، فقد فضلوا إما إجباره على أن يكون مثلهم أو التخلص منه: “أنت لا تنتمي إلينا لأنك مختلف”، كما يقول الناس.
لم يدركوا النعمة الكامنة وراء قرارهم. من خلال التخلص من جوناثان، فقد حرّروه من الشعور بالذنب لكونه مختلفًا، وحرروه من الشعور بالمسؤولية لتغيير الأشخاص الذين لا يريدون التغيير، وأعطوه فرصة للمضي قدمًا إلى مكان تنتمي إليه روحه. كان جوناثان مرتبطًا بأصله وقومه ومكان ولادته جسديًا، ولكن لم يكن المكان المناسب له للنمو ذهنيًا وروحيًا. ظل يأمل لسنوات ان يقوم بتغيير مكانه الذي ينتمي له، و بدون وعي ظل يضرب رأسة في جدران عنادهم الذي جعلهم غافلين عن الحقيقة، لكنهم قدموا له خدمة رائعة من خلال إعطائه الفرصة الذي يحتاجها لاكتشاف أماكن جديدة، وأشخاص جدد والتحرك إلى حيث ينتمي قلبه وروحه.
كان جوناثان في حيرة ووحده، ولم يتمكن من فهم السبب وراء طرده و التخلص منه. أراد أن يظل في المكان الذي ينتمي إليه وفي نفس الوقت أراد أن يحدث تغييرًا في المكان، وطريقة التفكير وطريقة العيش، ويتساءل لماذا لا يستطيع الآخرون ببساطة رؤية ما يراه.
لكن في أعماقه كان يعرف أنه مختلف، وبمجرد أن يقبل نفسه بكل الاختلافات التي كان يحملها، يمكنه الطيران بشكل رائع. بمجرد أن اعجب باستثنائيته، ارتفع إلى الاعلى، وبدأ في إلهام الآخرين للوصول إلى مستويات اكتشاف الذات التي فعلها.
لقد نبهت ذهني حول قضية حاسمة تنتشر في مجتمعاتنا، والتي يجب أن ندركها، ولكننا نستخف بتأثيرها الخطير على أنفسنا وعلى الأجيال القادمة. حيث أنه في هرم الاحتياجات تأتي الحاجة للانتماء في المستوى الثالث، وهذه الحاجة تدفع الناس للعمل بجد، ولكن ماذا لو كان علينا في انتماءنا أن نبدأ أولاً بأنفسنا؟.
أستطيع أن أفهم الانتماء إلى عائلة ووطن وبلد، ولكن هذا هو الانتماء المادي، وما أشير إليه هنا هو الانتماء العاطفي والفكري والروحي. ماذا لو كان كل ما نحتاجه هو إنشاء عالم تفكير خاص بنا يميزنا بشكل فريد ويدعو الآخرين للانتماء له إذا أرادوا؟ ماذا لو كان كل ما نحتاجه هو قبول ذاتنا لما نحن عليه ونفخر بإبداعنا الفريد؟
لا يهم مقدار المال الذي لدينا، وما هي الشهادات التي لدينا والمكانة التي نشغلها. لا يهم كيف نلبس، ولا ما نأكله، ولا السيارة التي نقودها، ولا ما هي هواياتنا والأماكن التي زرناها. لا يهم من هم آباؤنا أو أجدادنا أو أطفالنا أو أحفادنا. لا يهم من هو صديقنا أو زوجنا.
لشيء الوحيد المهم هو مزيجنا الفريد من العقل والقلب والروح مع جميع القدرات التي تمتلكها هذه الهوية الفريدة. فقط عندما ننظر إلى الداخل لخلق عالمنا الخاص وقبول أنفسنا كما نحن عليها، سيكون لدينا شعور لا يصدق من الانتماء. وعندها فقط نشعر بإحساس كبير بالسعادة، ونفتح أجنحتنا على نطاق واسع ونطير بحرية أعلى وأعلى نحو أحلامنا.
عندما نؤمن أننا نعيش للتعلم والاكتشاف والتحرر، يمكننا أن نبني حالة ذهنية حيث لا يوجد مكان للخوف أو الغضب أو الملل، وسوف نعيش بفرح لا نهاية له. يجب أن نفهم أيضًا أنه عند الانتهاء من التعلم في المدرسة، يتعين علينا الانتقال إلى الخطوة التالية في رحلة حياتنا. يجب علينا مواصلة التعلم والارتقاء فوق كل العقبات لنصبح أفضل الاشخاص الذيي يمكنهم أن يكونوا على الأرض، ونصل إلى المثالية في كل جانب من جوانب حياتنا. ومن أجل تخطي كل القيود الممكنة، نحتاج إلى نتجاوز المثالية إلى الحب واللطف. و للقيام بذلك علينا أن نتدرب على أن نكون على طبيعتنا في الحياة اليومية؛ مخلوقات عطوفة و محبة قادرة على فعل أي شيء تريده.