ماذا لو؟

ماذا لو؟

لطالما كان لدي اعتقاد قوي بأن كل شيء في الحياة يحدث لسبب ما، الباب يغلق لسبب ما، والمرض الذي نعاني منه لسبب ما، والعقبات التي نمر بها هي لسبب معين، والتعرف على شخص نلتقي به في حدث معين والبقاء على اتصال يحدث لسبب ما، حتى كونك في مكان معين في لحظة معينة من حياتك يحدث أيضًا لسبب ما، وسواء كنا نؤمن بذلك أم لا، فإن هذا السبب عندما يظهر لنا نتبين أنه أمر جيد.

لقد تم تخطيط حياتنا بشكل مثالي، ومسارنا مرسوم بدقة متناهية بأيد مبدعة من خالقنا الحكيم. لكننا غالبًا ما ننخرط في التجارب التي نمر بها، حتى ننسى هذه الحقيقة غير المشكوك فيها. وبمجرد انتهاء التجربة أو الاختبار، نبدأ في النظر إليها بعيون مختلفة، ونبدأ بالتساؤل: كيف لا يمكننا رؤية ذلك؟! وكيف نسينا هذا المفهوم الحكيم؟!

أتذكر قصة تلك السيدة التي ظلت تحاول إنجاب أطفال لأكثر من 15 عامًا، وذات مرة عانت من مشاكل صحية وسافرت إلى الخارج لإجراء بعض الفحوصات، لتكتشف أنها تعاني من مشاكل في القلب منذ الطفولة، ولم يتم اكتشافها أبدًا، و بالتالي فإن الحمل والانجاب كانا سيعرضان حياتها لخطر كبير بسبب مشكلة القلب الغير مكتشفة.

غالبًا ما نميل إلى الاعتقاد بأن ما نريده في الحياة، هو ما يجب أن نحصل عليه لأنه الأفضل لنا وسيجعلنا سعداء، في حين أن الحقيقة هي ان ما نريده ونعتقد أن ذلك سيجعلنا سعداء قد يتحول إلى سبب بؤسنا، وبالطبع هذا ليس ضروريًا، ولكنه محتمل أيضًا.

النقطة التي أحاول أن ألفت الانتباه إليها هنا، ان ما لدينا في الوقت الحالي هو الأفضل بالنسبة لنا في ذلك الوقت، ويمكن ان يقودنا إلى سعادتنا التي لا نهاية لها، ولكننا نميل إلى النظر من النافذة لفترة طويلة لدرجة أننا ننسى تقدير ما لدينا بالفعل.

لقد رأيت وسمعت الكثير من الناس (الرجال والنساء) ينخرطون في الوصول إلى شكلهم المثالي ومظهرهم الجسدي، ويفكرون بشكل خاطئ في أن هذا سيجذب انتباه عدد كبير من الناس، وبالتالي سيصلون الى السعادة التي يبحثون عنها. كما أن البعض يحاول جاهدًا أن يخسر بضعة أرطال، وتستحوذ عليه فكرة الحفاظ على وزن مثالي لدرجة أنه يواصل قياسه عدة مرات خلال النهار، ويقارن نفسه بالأشخاص الذين يمرون في طريقه.

ويحاول البعض اكتساب المزيد من الوزن أو ربما المزيد من العضلات، بينما البعض الآخر يذهب لأبعد من ذلك وينفق الكثير من المال، وحتى يقوم بإجراء العديد من العمليات التجميلية للوصول إلى المظهر المثالي. وبعد أن يصلوا إلى هدفهم، يحصلون على متعة فورية حول إنجازهم، ولكنها تتلاشى بعد فترة زمنية قصيرة.

حسنًا، من يستطيع أن يقول ما هو “الشكل / المظهر المثالي”؟ لا أحد. أنا أؤمن حقًا أنه شيء شخصي. أيضا من قال أن الوصول إلى هذا “الشكل / المظهر المثالي” سيضمن لك السعادة (التي أفترض أنها الهدف النهائي لكل إنسان)؟ لا أحد يمكنه فعل ذلك أيضًا. برأيي إذا كنت تريد فقدان المزيد من الوزن، أو اكتساب المزيد من الوزن والظهور بمظهر معين، فكل ذلك لا يهم بقدر كونك مهندما وصحيا وسعيدًا، وتشعر بالرضى عن ذاتك الخاصة و المميزة.

وإذا كان هدفك النهائي هو إرضاء الآخرين، يمكنني أن أضمن أنك لن تتمكن أبدًا من الوصول إلى رضاهم التام، ففي نهاية المطاف سيكون هناك الملايين من الأشخاص في العالم، ومليارات من العيون والاذواق المختلفة، ولن يُرى أي شخص في العالم “مثاليًا” في كل العيون، ولكن الخبر السار هو: سيكون لديك بعض العيون التي تراك أجمل مخلوق في العالم، وأهم أعين بين كل تلك العيون هي عيناك أنت.

لننتقل من “الشكل/ المظهر المثالي” إلى الحصول على مبلغ مالي معين في حسابك المصرفي، أو منصب معين، أو درجة، أو أي شيء قد نهدف إليه. أولا، لا يمكن لأحد أن يعرف ما إذا كانت هذه الأشياء التي نهدف إليها ستكون في مصلحتنا ام لا، وثانيًا حتى إذا كان لدينا هذه الأشياء، فلا يمكن لأحد ضمان سعادتنا بسبب الحصول عليها.

ولذا، نحتاج إلى البدء في النظر لما لدينا الآن وفي هذه اللحظة، وحساب النعم التي نمتلكها بالفعل. وأن نكون ممتنين للمظهرالذي لدينا، ومقدار المال الذي نحصل عليه، والأطفال، والآباء، والعائلة أو الأصدقاء لدينا، وحتى العقبات التي نواجهها لأنهاتواجهنا لسبب يخدمنا.

ماذا لو أخبرتك أنه قد تم وضعك تحت اختبار المعاناة من بعض المشاكل الصحية، وقيل لك أن تستهلك نظامًا غذائيًا معينًا، أو تم توجيهك إلى ناد معين للقيام ببعض التمارين، وفي هذا المكان سوف تلتقي بالشخص الذي سيقدم وظيفة أحلامك، أو يمكنك أن تقابل رفيق دربك الذي لم تعتقد أنه موجود على الإطلاق؟ ماذا ستكون رد فعلك؟ قد ترغب في تجسيد العقبة التي مررت بها في شكل بشري، لتمنحها عناقًا وامتنان كبيرًا على البركة التي جلبتها لك.

 وماذا لو أسيئت معاملتك من قبل رئيسك و للتخلص من وجود رئيس يسئ معاملتك، قمت بالتسجيل في دورة أدت إلى افتتاح عملك الخاص، لتكون رئيس نفسك؟ ماذا لو لم تتمكن من الذهاب لرحلة معينة كنت تحلم بها وتخطط لها لبضع سنوات، لتكتشف أنه في نفس وقت وتاريخ رحلتك، انتشر مرض قاتل في الوجهة التي كنت تتجه إليها، مما أدى إلى موت معظم الركاب بمجرد وصولهم إلى المطار؟

من يدري ما هو الأفضل لنا؟ ومن يضمن أن ما نعتقد أنه الأفضل بالنسبة لنا سيجعلنا سعداء بمجرد حصولنا عليه؟ في الواقع لا أحد يستطيع ذلك. وبالتالي يتوجب علينا أن نعيش حياتنا بثقة كاملة. وأن نسلم لحكمة الله بأن أي تجربة علينا أن نعيشها، تحدث لسبب حكيم، خاصة إذا كانت خارجة عن سيطرتنا، أو حدثت بسبب خطأ ارتكبناه بدون قصد، فهي تحدث لسبب ما. وبالتأكيد إنه سبب وجيه سيكشف عن نفسه في الوقت المناسب.

علينا أيضًا الاستمرار في الصبر وزيادة مدى التسامح لدينا حتى يصبح جزءًا من حياتنا، نقوم به تلقائيًا دون أي جهد. وهو بالتأكيد ليس سهلاً، ولكنه ممكن أيضًا. وعلينا أن نؤمن بأن ما لدينا الآن سيكون دائمًا هو الأفضل لنا في ذلك الوقت، وهو ما نحتاج إليه لنكون سعداء، ولن نتمكن من تجربة هذه السعادة إلا عندما نتوقف عن المقاومة والنظر لما لا نملكه. ونبدأ في الترحيب وقبول الهدية، مع الأخذ في الاعتبار أن هذا هوكل ما نحتاجه في تلك اللحظة لنكون سعداء.

Leave A Comment

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *